الجمعة، 7 يوليو 2023

ما الفرق بين الشهيد والشاهد

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله.

- الشاهد والشهيد مصطلحان وردا في التنزيل العزيز، الأول على وزن فاعل، وجمعه: شاهدين. والثاني على وزن فعيل، وجمعه: شهداء. وهذا هو أحد أوجه الفرق بينهما. واشتقاقهما من مادة واحدة، هي: شهد. 
 وشهد يشهد يقال على ضربين: أحدهما: يجري مجرى القسم، فيقول: أشهد بالله ان فلانا فهل كذا، فيكون قسمًا. والثانى: يجري مجرى العلم، وبلفظه تقام الشهادة، يقال: أشهد بكذا، ولا يُرْضَى من الشاهد أن يقول: أعلم؛ بل يحتاج أن يقول: أشهد؛ كقول المسلم:« أشهد ألَّا إله إلا الله »، وقول المؤمن:« أشهد أن محمدًا رسول الله ». قال تعالى:{ إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ }(المنافقون:1).
والشهادة  معناها: الحضور، ونقيضها الغيب، والشهادة في الاصطلاح هي: خَبَر صادر عن علم حصل بمشاهدة بصر، أو بصيرة، وتنقسم من حيث الطرف الذي يؤديها إلى قسمين: أولهما: شهادة شاهد، والثاني: شهادة شهيد. والفرق بينهما:

آ- أن شهادة الشاهد هي شهادة معرفة وخبرة مكتسبة؛ ومثالها قوله تعالى في قصة يوسف عليه السلام:{ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ*(يوسف:26- 27). نلاحظ هنا أن الذي شهد من أهل امرأة العزيز لم يشهد الواقعة بنفسه حتى يكون شهيدًا عليها؛ ولكنه شهد من واقع خبرته بالأدلة، ومعرفته ومنطقية الأحداث بنتائجها.

ب- أما شهادة الشهيد فهي شهادة حضورية، تعتمد على السمع والبصر؛ ومثالها قوله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ } إلى قوله:{ وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ }، وقوله:{ وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ }(البقرة:282). نلاحظ هنا أن الذي طلب منه أن يشهد على عقد المداينة والمبايعة هو حاضرٌ العقد، فهو شهيد، وليس بشاهد.

 وثمة فرق آخر بين شهادة الشاهد وشهادة الشهيد، وهو: أن الذي يشهد على نفسه هو شاهد، وليس بشهيد، وشهادته معرفيَّة، وليست حضوريَّة؛ لأنه يعرف نفسه، فيصفها للآخرين من خلال معرفته بها، وليس من خلال رؤيته لها؛ ومثالها قوله تعالى:{ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ }(التوبة:17)، فقال:{ شَاهِدِينَ } ، ولم يقل:{ شهداء }.

ومن ذلك شهادة الله عز وجل على نفسه بقوله:{ شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }(آل عمران:18). فالله تعالى هنا شاهد على نفسه بأنه { لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ }، وليس بشهيد؛ لأن الشاهد يشهد الحدث من داخله، أما الشهيد فيشهده من خارجه، فشهادته سبحانه على نفسه شهادة معرفيه، أما شهادته على كل شيء فهي شهادة حضورية؛ لذلك قال سبحانه:{ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا }(النساء:33)؛ لأنه { عالم الغيب والشهادة }، { وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ }؛ ولما كان الله تعالى كامل المعرفة والحضور دون تجسيد وحلول، كان الشهيد اسمًا من أسماء الحسنى.

5- وأما شهادة الملائكة وأولي العلم فهي شهادة شاهد؛ لأنها شهادة معرفة وإقرار بوحدانية الله تعالى، ومثلها شهادة الأنبياء والرسل على الوحدانية؛ ومثالها قوله تعالى:{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا }(الأحزاب:45)، فشهادة النبي هنا هي شهادة معرفيَّة، وكذلك شهادة من اتبعه كرسول من المؤمنين، بدليل قولهم في الدعاء:{ رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ }(آل عمران:53). وكما أرسل النبي عليه الصلاة والسلام؛ ليكون شاهدًا على وحدانية الله تعالى شهادة معرفية، فكذلك أرسل رسولاً؛ ليكون شاهدًا معرفيًّا على شهادة الناس بالوحدانية، وفي ذلك قال تعالى:{ إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً }(المزمل:15). وأما يوم القيامة فقد جعل الله تعالى أمة محمد عليه الصلاة والسلام؛ ليكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول شهيدًا عليهم؛ كما قال تعالى:{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا }(البقرة:143).

6- ويتحصَّل ممَّا تقدَّم أن الذي يؤدي شهادته، انطلاقاً من خبرته ومعرفته هو شاهد، وليس بشهيد، وأن الذي يؤدِّي شهادته انطلاقًا من سمعه ورؤيته هو شهيد، وليس بشاهد. والمقاتل في سبيل الله هو شهيد؛ سواء قتل أو لم يقتل؛ لأن كلًّا منهما شهد المعركة بسمعه وبصره. ومن هنا نرى أن إطلاق لفظ الشهيد على المقتول هو إطلاق مجازي، لا حقيقة له. والله تعالى لم يسمه شهيدًا. قال تعالى: { وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ }(آل عمران:169)، فقال:{ قُتِلُواْ }، ولم يقل:{ استشهدوا }



 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نرجوكم تنبيهنا لاي خطأ او ملاحظة واجرنا واجركم على الله